ونحن صغيرات كنا نرى الثورات تُختَصَرُ دائماً بوجوهٍ ذكوريةٍ اكتسبت في الأغلب وسامتها وجاذبيتها من الثورية التي كانت تُشِعُّ من عينيها. تلك الوجوه الملتحية - التي يُغطيها عادةً دخان السجائر التي كان يتناولها أصحابها بنهم - كانت ولا زالت رمزاً للقوة في مواجهة الظلم وللوطنية في الدفاع عن الأرض وللحكمة في تسيير مراحل الثورات كافة.
ونحن هنا لسنا بصدد التقليل من شأن الرجال الذين قاموا بمجهودٍ جبّار لتغيير واقع بلادهم وشعبهم، ولسنا بصدد توجيه أي اتهامٍ لهم بالتحيز لذكوريتهم. ولكنّنا نتساءل دائماً عن الأسباب التي جعلت العالم يختصر تاريخ الثورات العالمية بثورةٍ أو بثورتين وب”كمشة رجال”، وعن السبب الحقيقي وراء تهميش الثورات التي قادتها نساء حديديات عبر مختلف العصور والتي حققن من خلالها نصراً على إمبرطوريات وممالك وأنظمة كانت ذكورية بإمتياز.
ولأننا نرفض أن نكون جزءاً من منظومة تعمل على تهميش دور المرأة في تغيير المجتمع الذي تعيش فيه ونرفض المساهمة بإخفاء أحداث تاريخية مهمة كانت بطلتها إمرأة، ولأننا نرفض الفكرة التي تحصر عملية التغيير سواء كانت سلمية أو مسلحة بالرجال والفكرة التي ترى بأن المرأة غير قادرة على تولّي منصب القيادة في بلادها، قررنا كتابة مقالنا هذا عن أهم تسع نساء ثوريات عرفهن التاريخ.
1- زنوبيا ملكة تدمر وهي الملكة التي قامت بالتمرد على الإمبرطورية الرومانية بعد وفاة زوجها الملك سيبتيميوس أوداينتوس. حيث قامت زنوبيا بشنّ حملات عسكرية كانت تقودها بنفسها وذلك لتوسيع مناطق نفوذها، فأصبحت زنوبيا بعد ذلك ملكةً لسوريا وفلسطين ولبنان ومصرَ والأناضول معاً، وأصبحت مملكتها تعرف بممكلة تدمر، وأطلق الناس عليها لقب “الملكة المحاربة“.
زنوبيا لم تكتفي بالإستيلاء على أهم الطرق التجارية التي كانت تحت سيطرة الإمبراطورية الرومانية، وإنما قامت أيضاً بتغيير العملة، حيث قامت بصك عملات جديدة تحمل كلاً من صورتها وصورة إبنها وصورة الإمبراطور أورليانوس. كما قامت أيضاً بقطع إمدادات القمح عن روما، مما تسبب بنقص حاد في الخبز لدى الرومان.
الإمبراطور الروماني أورليانوس أدرك الخطر الذي تشكله مملكة تدمر على مخطاطاته في توحيد الإمبراطورية الرومانية مرّةً أُخرى، لذلك قرر التوجه بجيوشه إلى أنطاكية لمحاربة زنوبيا. ودارت معارك عدّة ضارية في الإقليم بين جيوش الإمبراطورية وجيوش تدمر، انتهت بهزيمة زنوبيا وأخذها كرهينة إلى روما، لتموت زنوبيا هناك في ظروفٍ غامضة.
2- ملكة العرب ماوية، قصتها تشبه قصة الملكة زنوبيا. فالإثنتين كانتا ملكاتٍ محاربات، والإثنتين قامتا بمحاربة سلطة روما بعد وفاة زوجيهما، وذلك في محاولةٍ منهما بالاستقلال عن الإمبراطورية الرومانية آنذاك.
3- جان دارك – عذراء أورليون (فرنسا)
تعد جان دارك، بطلة حرب المئة عام التي دارت بين الفرنسيين والإنجليز -الذي كانوا يسعون وقتها للاستيلاء على العرش الفرنسي- بطلة قومية في فرنسا. كما أنه تم إعلانها كقديسة من قبل البابا بندكت الخامس عشر، وذلك بعد أن كان قد مرّ على استشهادها خمسة قرون.
كانت جان دارك تبلغ من العمر إثنتي عشر عاماً عندما قالت بأنها رأت في منامها كلاً من الملاك ميخائيل والقديسة مارغريت وكاترينا الإسكندرانية يطلبون منها محاربة الإنجليز وإخراجهم من فرنسا، بالإضافة الى مساعدة الملك شارل السابع للوصول إلى الحكم.
وعند بلوغها عامها السادس عشر، طلبت جان دراك من قائد حامية قرية فوكوليغ أن يعطيها الإذن بالذهاب إلى البلاط الملكي في شينو الواقعة جنوب فرنسا. طلب جان قبول بالرفض والاستهزاء. إلّا جان تكمنت بعد عدة أشهر من الحصول على الدعم من قبل إثنين من أصحاب النفوذ وحضرت معهم إجتماعاً أخبرتهم خلاله بأنه سيكون هناك انسحابٌ عسكري بالقرب من أورليون.
تحققت نبوءة جان دارك، وعلى إثر ذلك أعطاها قاد حامية قرية فوكوليغ الإذن بمرافقته إلى البلاط الملكي في شينو. أثارت جان دارك إعجاب شارل السابع، فقام بتعيينها على رأس الجيش الفرنسي. قامت جان، وعلى الرغم من سنها الصغير، بقيادة الجيش الفرنسي إلى تحقيق إنتصارات عدّة، فبحسب المصادر التاريخية، كانت جان دارك مُحللة إستراتيجية بارعة ومخططة من الطراز الرفيع.
