دور النساء في إعادة الإعمار: من ألمانيا إلى رواندا وسوريا
إعداد وتقديم: داريه فرمان & نهى سلوم
اليوم في نمّة ولمّة نقدم لكم..
“لا سلام مستدام بدون النساء.” هذه المقولة، التي أكدت عليها الأمم المتحدة مرارًا وتكرارًا، تعكس الحقيقة العميقة التي قد يغفل عنها الكثيرون في أوقات الحروب والنزاعات. فبينما يظل الرجال في مقدمة الخطوط الأمامية، تأتي النساء في خلفية الحرب كقوة دافعة نحو إعادة البناء والنهوض. من بين الركام، تساهم النساء في إعادة بناء المجتمع والنهوض به، حيث أثبتت التجارب في مختلف أنحاء العالم أنهنّ جزء أساسي في تعزيز السلام والتعايش بعد الأزمات.
في هذا التقرير، سنتناول الدور الحيوي للنساء في إعادة إعمار أوطانهن بعد الحروب الكبرى. سنسلط الضوء على تجارب دول مختلفة: من ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، مرورًا برواندا وسوريا ولبنان وغزة والعراق، وصولًا إلى اليابان بعد قصف هيروشيما. كما سنتناول دور النساء في عمليات المصالحة والبناء المستدام. فكما تؤكد الأمم المتحدة، لا سلام مستدام بدون النساء.
Von Darya Farman & Noha Salom
إعادة الإعمار بعد الحرب العالمية الثانية
الوضع في ألمانيا بعد الحرب:
كانت ألمانيا في أعقاب الحرب العالمية الثانية على حافة الانهيار. دُمرت مدنها الكبرى، وشُردت الملايين، وانهارت جميع هياكل الدولة. فقدت ألمانيا حوالي 7 ملايين من أبنائها، بما فيهم الجنود والمدنيين، ما ترك النساء في مواجهة واقع مرير. كان الرجال إما قد قُتلوا في المعارك، أو تم أسرهم في معسكرات الحرب، أو كانوا مشوهين جسديًا أو نفسيًا. وجد النساء أنفسهنّ مسؤولات عن إعادة بناء المجتمع الذي دمره النزاع.
غياب الرجال وأثره على المجتمع:
غياب الرجال كان له أثر بعيد المدى في تشكيل المجتمع الألماني ما بعد الحرب. بينما كانت النساء تواجهن تحديات هائلة من حيث تلبية احتياجات أسرهنّ المعيشية، وجدن أنفسهنّ في موقع القيادة في الكثير من القطاعات التي كانت في السابق تحت سيطرة الرجال. شملت هذه القطاعات: التعليم، الزراعة، الصناعات الأساسية، وحتى إعادة بناء المدن المدمرة.
دور النساء في إعادة البناء:
على الرغم من المعاناة الكبيرة التي تعرضت لها النساء، إلا أنهنّ لعبن دورًا أساسيًا في إعادة بناء ما دمرته الحرب. كانت هيلين زوكر واحدة من هؤلاء النساء اللواتي عملن على تقديم المساعدات الإنسانية بعد الحرب، حيث أسست العديد من برامج الدعم للمجتمعات المتضررة. في الوقت نفسه، كانت العديد من النساء يعملن في المصانع لإنتاج المواد الأساسية التي كانت تحتاج إليها البلاد لإعادة بناء اقتصادها.
إلى جانب هيلين زوكر، برزت أيضًا إريكا ماتش، وهي امرأة ألمانية أخرى كان لها دور كبير في جهود الإعمار بعد الحرب. إريكا ماتش كانت من الأوائل الذين شاركوا في برامج إعادة تأهيل الأطفال الذين فقدوا أسرهم بسبب الحرب، حيث أسست دورًا لرعاية الأطفال وتوفير بيئة آمنة لهم في ظل الدمار الذي خلفته الحرب. عملت ماتش على توفير الأمل والفرص للأجيال القادمة في ألمانيا، وكانت أحد أعمدة بناء المجتمع الألماني بعد الحرب.
رواندا – الإبادة الجماعية ودور النساء في إعادة البناء
الوضع في رواندا بعد الإبادة:
في عام 1994، كانت رواندا مسرحًا لأحد أبشع المجازر في القرن العشرين. الإبادة الجماعية التي استهدفت التوتسيين على يد الهوتو أدت إلى مقتل أكثر من 800,000 شخص في غضون ثلاثة أشهر فقط. بعد هذه الكارثة، كانت البلاد بحاجة إلى إعادة البناء على جميع الأصعدة: السياسية، الاجتماعية، والاقتصادية.
دور النساء في بناء السلام:
النساء في رواندا لم يكنّ فقط ضحايا لما حدث، بل كنّ قوة دافعة في عمليات المصالحة وإعادة بناء الوطن. تجاوزت العديد من النساء الصدمات النفسية والجسدية التي تعرضن لها وبدأن في تقديم الدعم للمجتمع. بالإضافة إلى دورهنّ في إعادة بناء المجتمعات المدمرة، كان لهنّ دور محوري في عمليات العدالة الانتقالية عبر محاكم “Gacaca” التي ساهمت في تحقيق المصالحة بين الضحايا والجناة.
من أبرز الأسماء التي ظهرت في هذا السياق جانيت كابودا، التي أسست العديد من المنظمات لدعم النساء المتضررات، وتوفير الدعم النفسي والاجتماعي لهنّ، بالإضافة إلى دعم الناجيات في بناء حياة جديدة.
سوريا – الحرب والدمار المستمر
الوضع في سوريا اليوم:
منذ عام 2011، دخلت سوريا في حرب مدمرة، حيث تواصل النزاع إلى اليوم بعد سنوات من القتال. دُمرت المدن، وفقد آلاف المدنيين حياتهم، إضافة إلى ملايين اللاجئين والمشردين.
دور النساء السوريات في إعادة الإعمار:
لكن في وسط هذه المأساة، برزت النساء السوريات كقوة حيوية في عملية إعادة بناء البلاد. العديد من النساء انخرطن في العمل التطوعي وتقديم المساعدات الإنسانية، فيما عملت أخريات في مجالات التعليم والرعاية الصحية من خلال الجمعيات والمراكز التي أسسنها.10:17سناء الخطيب، التي أسست برامج تدريبية للنساء في المخيمات السورية، ساهمت في تعليم النساء الحرف اليدوية والمهارات التي تعينهنّ في مواجهة الحياة بعد الحرب.
معركة ضد الإرهاب وسبيل إعادة البناء
الوضع في العراق بعد الحروب:
عاش العراق سنوات طويلة من الحروب والصراعات، بما في ذلك المعركة ضد تنظيم داعش. هذا النزاع أسفر عن تدمير واسع للبنية التحتية في المدن العراقية مثل الموصل.
دور النساء في إعادة البناء في العراق:
النساء العراقيات كنّ في صدارة هذا الصراع لإعادة بناء ما دمرته الحرب. من بين الأسماء التي برزت في هذا المجال رغد محمد، الناشطة العراقية التي أسست العديد من المنظمات لدعم النساء النازحات، وخصوصًا أولئك اللواتي فقدن أسرهنّ في الصراع مع داعش.
لبنان – حرب أهلية ودور النساء في التحديات المستمرة
الوضع في لبنان بعد الحرب الأهلية:
من 1975 إلى 1990، عانت لبنان من حرب أهلية دامية خلفت آثارًا عميقة على المجتمع اللبناني. كانت المدن اللبنانية، وخاصة بيروت، مسرحًا للدمار والفوضى، لكن النساء اللبنانيات حملن على عاتقهن مهمة إعادة بناء البلاد بعد انتهاء الحرب.
دور النساء في إعادة البناء:
النساء اللبنانيات لعبن دورًا محوريًا في عملية المصالحة بين الطوائف المختلفة في لبنان، حيث ساهمن في إقامة برامج اجتماعية تهدف إلى إعادة بناء الثقة بين مختلف الفئات اللبنانية. ليلى شهاب، الناشطة اللبنانية، أسست العديد من البرامج التي ركزت على دعم الأطفال والنساء في المجتمعات المتأثرة بالحرب.
اليابان – إعادة بناء بعد الكوارث الكبرى
الوضع في اليابان بعد الحرب العالمية الثانية:
اليابان هي إحدى الدول التي شهدت دمارًا كبيرًا بعد الحرب العالمية الثانية، خاصة في هيروشيما وناغازاكي، بعد أن تعرضت لقصف ذري في عام 1945. كان الوضع في هيروشيما مأساويًا حيث دُمرت المدينة بشكل كامل، وأصبح من الضروري إعادة البناء في جميع المجالات.
دور النساء في إعادة بناء هيروشيما:
إحدى أبرز النساء اللاتي لعبن دورًا بارزًا في إعادة بناء هيروشيما هي تومي أوكازاكي. بعد النجاة من القصف، أسست أوكازاكي منظمة لدعم الناجين، وكانت حريصة على توفير الدعم النفسي والمادي للمجتمعات المتضررة. من خلال أعمالها، ساعدت في توفير الرعاية للعديد من النساء والأطفال الذين تأثروا بشكل مباشر بتداعيات القنبلة النووية. حصلت أوكازاكي على العديد من الجوائز تقديرًا لدورها الكبير في إعادة بناء المدينة ومساندة الناجين.
شخصيات نسائية أثرت في العالم ولعبت دورًا في إعادة الإعمار
1. تومي أوكازاكي (اليابان):
كما ذكرت سابقًا، تومي أوكازاكي هي واحدة من النساء البارزات في تاريخ اليابان بعد الحرب العالمية الثانية. تعرضت هيروشيما للقصف الذري في أغسطس 1945، ومن ثم كانت المدينة في حاجة ماسة إلى جهود ضخمة لإعادة الإعمار. عملت أوكازاكي، الناجية من القصف، على تأسيس العديد من المنظمات التي ساعدت في إعادة بناء المدينة. بالإضافة إلى ذلك، قامت بتقديم الدعم النفسي لضحايا الهجوم النووي من خلال إشراك النساء في برامج إعادة التأهيل المجتمعي. حصلت على جوائز تقديرًا لدورها البارز في مساعدة الناجين من القصف وتوجيه جهود الإغاثة.
2. إلين جونسون سيرليف (ليبيريا):
إلين جونسون سيرليف كانت أول امرأة تُنتخب رئيسة لجمهورية ليبيريا وأول امرأة تنتخب رئيسة دولة في أفريقيا. تولت الرئاسة في فترة كانت فيها ليبيريا تمر بفترة ما بعد الحرب الأهلية (1999-2003)، وكان من أولوياتها إعادة بناء البلاد التي مزقتها سنوات من النزاع. من خلال قيادة حكومتها، تبنت جونسون سيرليف سياسات تهدف إلى تحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، بالإضافة إلى تعزيز دور النساء في السياسة والمجتمع، ما ساهم في تعزيز السلام المستدام وإعادة بناء الدولة.
يظهر تاريخ الحروب والنزاعات في العديد من البلدان أن النساء قد لعبن دورًا محوريًا في إعادة الإعمار، ليس فقط من خلال إعادة بناء المنازل والمدن، بل من خلال بناء الأمل والإرادة في المجتمعات التي مزقتها الأزمات. من ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية إلى رواندا وسوريا ولبنان والعراق وغزة، كانت النساء في طليعة جهود السلام والإعمار، وساهمن في تحقيق المصالحة وبناء أسس مستقبلية مليئة بالأمل والفرص. لقد أثبتت التجارب أن النساء ليسن مجرد ضحايا في الحروب، بل هنّ أيضًا فاعلات رئيسيات في تحقيق السلام والاستقرار. في جميع الحالات، قدمت النساء قوى دافعة نحو النهوض بالمجتمع من جديد، وهذا ما يجعل مشاركتهنّ في عملية السلام والإعمار أمرًا أساسيًا لتحقيق السلام المستدام في أي مجتمع كان.